تطوير تعليمات سلامة الطيران- نحو تجربة تفاعلية افتراضية

المؤلف: عبداللطيف الضويحي09.05.2025
تطوير تعليمات سلامة الطيران- نحو تجربة تفاعلية افتراضية

من بين أقدم وأشهر الرسائل التوعوية التي لازمتنا منذ نعومة أظفارنا، واستمرت معنا دون أي تجديد أو تطوير، تلك التعليمات الروتينية التي يلقيها أحد أفراد طاقم الطائرة على مسامع الركاب في مستهل كل رحلة جوية، وبغض النظر عن شركة الطيران. يتم خلالها لفت انتباه المسافرين إلى إرشادات السلامة، وكيفية التصرف في حالات الطوارئ، واستخدام قناع الأكسجين عند انخفاض الضغط، وآلية سحب ونفخ سترة النجاة الموجودة أسفل المقعد، والانتقال السريع إلى أقرب مخرج من مخارج الطائرة بعد التخلي عن الأحذية والقفز إلى بر الأمان.

وبينما كنت أتابع ببالغ الأسى أخبار كارثة الطائرة الهندية التي هوت بعد فترة وجيزة من إقلاعها من الأراضي الهندية متجهةً نحو بريطانيا، والتي لم ينجُ منها سوى راكب واحد بأعجوبة إلهية من بين 242 راكباً، استحضرت في ذهني تلك التعليمات والإرشادات التقليدية، رغم أن فداحة الحادث وسرعة وقوعه المفاجئ تتجاوز بكثير نطاق تعليمات السلامة الاعتيادية.

يثور هنا تساؤل جوهري حول مدى أهمية وجدوى تلك التعليمات المنمقة؟ وهل لها دور ملموس أو تأثير حقيقي يتجاوز الأثر النفسي والمعنوي؟ وهل يمكن لأي من الركاب أن يستفيد بشكل عملي وفعلي من هذه الرسائل التوعوية؟ وهل بادرت أي من شركات الطيران السعودية أو غيرها باستطلاع آراء الركاب وسؤالهم عن الفائدة والقيمة الحقيقية لمحتوى هذه الرسائل، وعن الطريقة التي تُعرض بها هذه التعليمات؟ وهل سبق لأحدهم أن استفاد منها في موقف حقيقي؟ وهل الغرض منها هو فقط تهدئة روع المسافرين الذين غالباً ما يعتريهم القلق والتوتر أثناء ركوب الطائرة والسفر عبرها؟ وهل توقيت عرض هذه الرسائل مناسب؟ وهل مدتها الزمنية كافية لاستيعابها؟

إذا ما تم جمع إجابات شافية عن هذه التساؤلات من شرائح متنوعة من الركاب، وبغض النظر عن غايات سفرهم أو شركات الطيران التي يستقلونها، ومن مختلف الفئات العمرية والخلفيات الثقافية، فإنه لا بد من إعادة النظر ملياً في محتوى تلك التعليمات وإعادة صياغتها وتحديثها بما يتوافق مع إجابات الركاب وملاحظاتهم وخبراتهم، مع الأخذ في الحسبان كافة التجارب والدروس المستفادة من الظروف الطارئة التي واجهت قطاع الطيران على مر السنين.

لذا، أتوجه بندائي إلى المسؤولين المعنيين بقطاع الطيران الخاص، داعياً إياهم إلى التمعن في هذه المسألة ذات الأهمية القصوى، واستبدال الأسلوب التقليدي الحالي بأسلوب محاكاة تفاعلية فائقة السرعة في بيئة افتراضية متطورة، وذلك باستخدام نظارات الواقع الافتراضي، وتقديم تجربة تفاعلية آسرة لمدة تتراوح بين دقيقتين وثلاث دقائق قبل الإقلاع، بدلاً من الأسلوب النمطي الذي غالباً ما يكون غير مجدٍ وغير مفهوم، وذلك بهدف توضيح خطوات وإجراءات السلامة عن قرب وبشكل تفاعلي، مدعومة بالصوت والصورة الثابتة والمتحركة، فيما يتعلق باستخدام قناع الأكسجين للراكب وأطفاله، أو سترة النجاة الموجودة أسفل المقعد، أو كيفية التوجه إلى مخارج الطوارئ، مع إجراء اختبارات تفاعلية أثناء المحاكاة.

فالناس في مثل هذه المواقف الحرجة يتصرفون بطرق مروعة ومخيفة وغير منطقية، نتيجة للصدمة والخوف الشديدين، ومن غير الممكن السيطرة على سلوك وتصرفات الركاب دون إحداث تزامن وتلازم بين التوعية البصرية والسمعية الدقيقة والواقعية، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التوظيف الفعال للتقنيات الحديثة والمناسبة في مثل هذه المواقف الطارئة. فمعظم شركات الطيران توفر ألعاب الفيديو والأفلام الترفيهية، ولكنها قد تفتقر إلى التقنيات اللازمة للتعامل مع المواقف الخطيرة والصعبة، لا قدر الله.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة